فصل: ومن باب النظر في الصلاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب أعضاء السجود:

قال أبو داود: حدثنا النُفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن التميمي الذي يحدث التفسير عن ابن عباس قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه فرأيت بياض إبطيه وهو مُجَخٍّ قد فرج يديه».
قوله: «مجخ» يريد أنه قد رفع مؤخره ومال قليلا هكذا يفسر.
قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عباد بن راشد حدثنا الحسن حدثنا أحمد بن جزء صاحب النبي صلى الله عليه وسلم: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى نأوي له».
قوله: «نأوي له» معناه حتى نرق له قال أويت للرجل آوي له إذا أصابه شيء فرثيت له.

.ومن باب البكاء في الصلاة:

قال أبو داود: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام حدثنا يزيد بن هارون أنا حماد بن سلمة عن ثابت عن مطرف عن أبيه، قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحاء من البكاء».
قلت: أزيز الرحاء صوتها وجرجرتها وفيه من الفقه أن البكاء في الصلاة لا يفسدها.

.ومن باب الفتح على الإمام:

قال أبو داود: حدثنا يزيد بن محمد حدثنا هشام بن إسماعيل حدثنا محمد بن شعيب حدثنا عبد الله بن العلاء بن زَبْر عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فلُبّس عليه فلما انصرف قال لأُبَيّ صليت معنا قال نعم قال فما منعك».
قلت: معقول أنه إنما أراد به ما منعك أن تفتح عليَّ إذ رأيتني قد لبس عليّ، وفيه دليل على جواز تلقين الإمام.
قال أبو داود: حدَّثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا محمد بن يوسف الفريابي عن يونس بن أبي إسحاق، عَن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا علي لا تفتح علي الإمام في الصلاة».
قلت: إسناد حديث أُبي جيد وحديث عليّ هذا رواية الحارث وفيه مقال، وقال داود أبو إسحاق سمع من الحارث أربعة أحاديث ليس هذا منها. وقد روي عن علي رضي الله عنه نفسه أنه قال إذا استطعمكم الإمام فأطعموه من طريق أبي عبد الرحمن السلمي يريد أنه إذا تعايا في القراءة فلقنوه.
واختلف الناس في هذه المسألة فروي عن عثمان بن عفان وابن عمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يريان به بأسا، وهو قول عطاء والحسن وابن سيرين ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق. وروي عن ابن مسعود الكراهة في ذلك وكرهه الشعبي، وكان سفيان الثوري يكرهه. وقال أبو حنيفة إذا استفتحه الإمام ففتحه عليه فإن هذا كلام في الصلاة.

.ومن باب النظر في الصلاة:

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خَميصة لها أعلام فقال شغلتني أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيته».
الخميصة كساء مربع من صوف والانبجانية أراها منسوبة وهي إلى الغلظ لا علم لها.
وفي الحديث دلالة على أنه إذا استثبت خطًا مكتوبا وهو في الصلاة لم تفسد صلاته وذلك لأنه يشغله علم الخميصة عن صلاته حتى يتأمله بالنظر إليه.

.ومن باب العمل في الصلاة:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن عامر بن عبد الله هو ابن الزبير عن عمرو بن سليم، عَن أبي قتادة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أُمامةَ بنت زينب، بنت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها».
قلت: يشبه أن يكون هذا الصنيع من رسول الله لا عن قصد وتعمد له في الصلاة فلعل الصبية لطول ما ألفته واعتادته من ملابسته في غير الصلاة كانت تتعلق به حتى تلابسه وهو في الصلاة فلا يدفعها عن نفسه ولا يبعدها فإذا أراد أن يسجد وهي على عاتقه وضعها بأن يحطها أو يرسلها إلى الأرض حتى يفرغ من سجوده فإذا أراد القيام وقد عادت الصبية إلى مثل الحالة الأولى لم يدافعها ولم يمنعها حتى إذا قام بقيت محمولة معه هذا عندي وجه الحديث. ولا يكاد يتوهم عليه أنه كان يعتمد لحملها ووضعها وإمساكها في الصلاة تارةً بعد أخرى لأن العمل في ذلك قد يكثر فيتكرر والمصلي يشتغل بذلك عن صلاته ثم ليس في شيء من ذلك أكثر من قضائها وطرًا من لعب لا طائل له ولا فائدة فيه. وإذا كان علم الخميصة يشغله عن صلاته حتى يستبدل بها الانبجانية فكيف لا يشتغل عنها بما هذا صفته من الأمر وفي ذلك بيان ما تأولناه والله أعلم.
وفي الحديث دلالة على أن لمس ذوات المحارم لا ينقض الطهارة وذلك أنها لا تلابسه هذه الملابسة إلاّ وقد تمسه ببعض أعضائها.
وفيه دليل على أن ثياب الأطفال وأبدانهم على الطهارة ما لم يعلم نجاسة.
وفيه أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة، وفيه أن الرجل إذا صلى وفي كمه متاع أو على رقبته كارة ونحوها فإن صلاته مجزية.
قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا علي بن المبارك حدثنا يحيى بن أبي كثير عن ضمضم بن جَوس، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب».
قلت: فيه دلالة على جواز العمل اليسير في الصلاة وأن موالاة الفعل مرتين في حال واحدة لا تفسد الصلاة. وذلك أن قتل الحية غالبًا إنما يكون بالضربة والضربتين فإذا تتابع العمل وصار في حد الكثرة بطلت الصلاة.
وفي معنى الحية والعقرب كل ضرار مباح القتل كالزنابير والنشبان ونحوهما، ورخص عامة أهل العلم في قتل الأسودين في الصلاة إلاّ إبراهيم النخعي. والسنة أولى ما اتبع.

.ومن باب رد السلام:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا عاصم، عَن أبي وائل عن عبد الله قال: «قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت فلم يرد عليّ السلام فأخذني ما قَدُم وما حدُث فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: إن الله يحدث من أمره ما شاء وإن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة ورد عليّ السلام».
قوله: «ما قدم وما حدث» معناه الحزن والكآبة، يريد أنه قد عاوده قديم الأحزان واتصل بحديثها، واختلف الناس في المصلي يسلم عليه فرخصت طائفة في الرد وكان سعيد بن المسيب لا يرى بذلك بأسًا، وكذلك الحسن البصري وقتادة، وروي، عَن أبي هريرة أنه كان إذا سلم عليه وهو في الصلاة رده حتى يسمع، وروي عن جابر نحو من ذلك.
وقال أكثر الفقهاء لا يرد السلام، وروي عن ابن عمر أنه قال يرد إشارة. وقال عطاء والنخعي وسفيان الثوري إذا انصرف من الصلاة رد السلام. وقال أبو حنيفة لا يرد السلام ولا يشير.
قلت: رد السلام في الصلاة قولًا ونطقًا محظور ورده بعد الخروج من الصلاة سنة، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على ابن مسعود بعد الفراغ من صلاته السلام. والإشارة حسنة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار في الصلاة، وقد رواه أبو داود في هذا الباب.
قال أبو داود: وحدثنا يزيد بن خالد بن موهب وقتيبة بن سعيد أن الليث حدثهم عن بكير عن نايل صاحب العباء عن ابن عمر عن صهيب أنه قال: «مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة».
قال قتيبة: ولا أعلمه إلاّ قال إشارة بأصبعه.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان، عَن أبي مالك الأشجعي، عَن أبي حازم، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا غِرار في صلاة ولا تسليم». قال أحمد، يَعني أن لا تسلم ولا يسلم عليك ويغرّر الرجل بصلاته فينصرف وهو فيها شاك.
قلت: أصل الغرار نقصان لبن الناقة، يقال غارت الناقة غرارًا فهي مغار إذا نقص لبنها، فمعنى قوله: «لا غرار» أي لا نقصان في التسليم. ومعناه أن ترد كما يسلم عليك وافيا لا نقص فيه مثل أن يقال السلام عليكم ورحمة الله فيقول عليكم السلام ورحمة الله، ولا يقتصر على أن يقول السلام عليكم أو عليكم حسب، ولا ترد التحية كما سمعتها من صاحبك فتبخسه حقه من جواب الكلمة.
وأما الغرار في الصلاة فهو على وجهين أحدهما أن لا يتم ركوعه وسجوده والآخر أن يشك هل صلى ثلاثا أو أربعا فيأخذ بالأكثر ويترك اليقين وينصرف بالشك، وقد جاءت السنة في رواية أبي سعيد الخدري أنه يطرح الشك ويبني على اليقين ويصلي ركعة رابعة حتى يعلم أنه قد أكملها أربعا.

.ومن باب تشميت العاطس:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن حجاج الصواف حدثنا يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون أيديهم على أفخاذهم فعلمت أنهم يصمت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي ما ضربني ولا كهرني ولا سبني، ثم قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أو كما قال: قلت يا رسول الله إنا قوم حديث عهد بجاهلية وقد جاءنا الله بالإسلام ومنا رجال يأتون الكهان، قال فلا تأتهم، قال: قلت ومنا رجال يتطيرون قال ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يضرهم. قلت ومنا رجال يخطُّون قال كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذلك. قلت جارية لي كانت ترعى غنيمات قبل أحد والجوانية إذ اطلعت عليها اطّلاعة فإذا الذئب قد ذهب بشاة منها وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فعظم ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أفلا أعتقها فقال آتيني بها، فقال فجئت بها فقال أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله قال اعتقها فإنها مؤمنة».
قلت: في هذا الحديث من الفقه أن الكلام ناسيا في الصلاة لا يفسد الصلاة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أحكام الصلاة وتحريم الكلام فيها، ثم لم يأمره بإعادة الصلاة التي صلاها معه وقد كان تكلم بما تكلم به ولا فرق بين من تكلم جاهلا بتحريم الكلام عليه، وبين من تكلم ناسيا لصلاته في أن كل واحد منهما قد تكلم والكلام مباح له عند نفسه.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فممن قال يبني على صلاته إذا تكلم ناسيا أو جاهلا الشعبي والأوزاعي ومالك والشافعي. وقال النخعي وحماد بن أبي سليمان وأصحاب الرأي إذا تكلم ناسيا استقبل الصلاة، وفرق أصحاب الرأي بين أن يتكلم ناسيا وبين أن يسلم ناسيا فلم يوجبوا عليه الإعادة في السلام كما أوجبوها عليه في الكلام.
وقال الأوزاعي من تكلم في صلاته عامدا بشي يرد به إصلاح صلاته لم تبطل صلاته. وقال في رجل صلى العصر فجهر بالقرآن فقال رجل من ورائه إنها العصر لم تبطل صلاته.
وفي الحديث دليل على أن المصلي إذا عطس فشمته رجل فإنه لا يجيبه.
واختلفوا إذا عطس وهو في الصلاة هل يحمد الله فقالت طائفة يحمد الله. روي عن ابن عمر أنه قال: العاطس في الصلاة يجهر بالحمد؛ وكذلك قال النخعي وأحمد بن حنبل. وهو مذهب الشافعي إلاّ أنه يستحب أن يكون ذلك في نفسه.
وقوله: «ما كهرني» معناه ما انتهرني ولا أغلظ لي، وقيل الكهر استقبالك الإنسان بالعبوس. وقرأ بعض الصحابة فأما اليتيم فلا تكهر.
وقوله في الطيرة ذلك شيء عفي نفوسهم فلا يضرهم يريد أن ذلك شيء يوجد في النفوس البشرية وما يعتري الإنسان من قبل الظنون والأوهام من غير أن يكون له تأثير من جهة الطباع أو يكون فيه ضرر كما كان يزعمه أهل الجاهلية.
وقوله وهنا رجال يخطون فإن الخط عند العرب فيما فسره ابن الأعرابي أن يأتي الرجل العراف وبين يديه غلام فيأمره بأن يخط في الرمل خطوطا كثيرة وهو يقول ابني عيان أسرعا البيان ثم يأمره أن يمحو منها اثنين اثنين ثم ينظر إلى آخر ما يبقى من تلك الخطوط فإن كان الباقي منها زوجا فهو دليل الفلح والظفر وإن كان فردا فهو دليل الخيبة واليأس.
وقوله فمن وافق خطه فذلك يشبه أن يكون أراد به الزجر عنه وترك التعاطي له إذ كانوا لا يصادقون معنى خط ذلك النبي لأن خطه كان علما لنبوته وقد انقطعت نبوته فذهبت معالمها.
وقوله آسف كما يأسفون معناه أغضب كما يغضبون ومن هذا قوله سبحانه: {فلما آسفونا انتقمنا منهم} [الزخرف: 55] وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أعتقها فإنها مؤمنة» ولم يكن ظهر له من إيمانها أكثر من قوله حين سألها: «أين الله؟» فقالت: في السماء. وسألها: «من أنا؟» فقالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا السؤال عن أمارة الإيمان وسمة أهله وليس بسؤال عن أصل الإيمان وصفة حقيقته ولو أن كافرا يريد الانتقال من الكفر إلى دين الإسلام فوصف من الإيمان هذا القدر الذي تكلمت به الجارية لم يصر به مسلما حتى يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبرى من دينه الذي كان يعتقده، وإنما هذا كرجل وامرأة يوجدان في بيت فيقال للرجل من هذه منك فيقول زوجتي وتصدقه المرأة فإنا نصدقهما في قولهما ولا نكشف عن أمرهما ولا نطالبهما بشرائط عقد الزوجية حتى إذا جاءانا وهما أجنبيان يريدان ابتداء عقد النكاح بينهما فإنا نطالبهما حينئذ بشرائط عقد الزوجية من إحضار الولي والشهود وتسمية المهر. كذلك الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم يقتصر منه على أن يقول إني مسلم حتى يصف الإيمان بكماله وشرائطه وإذا جاءنا من نجهل حاله بالكفر والإيمان فقال إني مسلم قبلناه، وكذلك إذا رأينا عليه أمارة المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما حكمنا بإسلامه إلى أن يظهر لنا منه خلاف ذلك.

.ومن باب التأمين وراء الإمام:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه، عَن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه».
قال ابن شهاب: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين.
قلت: فيه دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بآمين ولولا جهره به لم يكن لمن يتحرى متابعته في التأمين على سبيل المداركة طريق إلى معرفته فدل أنه كان يجهر به جهرا يسمعه من وراءه، وقد روى وائل بن حجر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ: {ولا الضالين} قال آمين ورفع بها صوته»، ورواه أبو داود بإسناده في هذا الباب.
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن سُمي مولى أبي بكر، عَن أبي صالح السمان، عَن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا آمين».
قلت: قد احتج به من ذهب إلى أنه لا يجهر بآمين، وقال ألا ترى أنه جعل وقت فراغ الإمام من قوله ولا الضالين وقتا لتأمين القوم فلو كان الإمام يقوله جهرا لاستغني بسماع قوله عن التحين له مراعاة وقته.
وقته قلت وهذا قد كان يجوز أن يستدل به لو لم يكن ذلك مذكورا في حديث وائل بن حجر الذي تقدم ذكره وإذا كان كذلك لم يكن فيما استدلوا به طائل. وقد يكون معناه الأمر به والحض عليه إذا نسيه الإمام يقول لا تغفلوه إذا أغفله الإمام ولا تتركوه إن نسيه وأمنوا لأنفسكم لتحرزوا به الأجر.
قلت: وقوله: «إذا قال الإمام: {ولا الضالين} فقولوا آمين» معناه قولوا مع الإمام حتى يقع تأمينكم وتأمينه معًا، فأما قوله: «إذا أمن الإمام فأمنوا» فإنه لا يخالفه ولا يدل على أنهم يؤخرونه عن وقت تأمينه وإنما هو كقول القائل إذا رحل الأمير فارحلوا يريد إذا أخذ الأمير في الرحيل فتهيئوا للارتحال ليكون رحيلكم مع رحيله، وبيان هذا في الحديث الآخر أن الإمام يقول آمين والملائكة تقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه فأحب أن يجتمع التأمينان في وقت واحد رجاء المغفرة.